20 - 10 - 2024

وجهة نظري| الجولان عربية

وجهة نظري| الجولان عربية

بوجه شمعي، ونظرات مشتتة، عيون تلمع دائما ببريق مجنون لاتدرى إن كان وراءه نرجسية مفرطة أم غباء هستيري.. هكذا يبدو الرئيس الأمريكى كلما أطل علينا بوجهه المستفز.. أو ربما إحساس ما بداخلنا يدفعنا أن نراه على هذه الصورة، لكنه فى الحقيقة بعيد كل البعد عن الجنون ولا يشوبه مس هستيري، متوازن لأقصى حد، يعرف جيدا خطورة مايقدم عليه من قرارات، يدرك أنه يكتب بسياساته تاريخا جديدا ليس لمنطقة الشرق الأوسط فقط بل للعالم أجمع، يوقن بقوته المفرطة وبقدرته على الهيمنة والسيطرة وأن أحدا لايستطيع الوقوف فى وجهه، لا يناور ولا يهادن ولا يلجأ لألاعيب ومكر السياسيين.. على العكس تبدو مواقفه متخطية كل حدود البجاحة لتصل مستقرة لحد الوقاحة.. قراره الأخير والوثيقة التى وقعها بالاعتراف بسيادة إسرائيل على الجولان السورية واحدة من أبرز تلك القرارات الهمجية الصلفة.

كان يوقع على الوثيقة كأنما يحفر بقلمه واقعا جديدا، يضغط بقوة، تعلو حروف إسمه وتهبط بشكل مبالغ فيه، تنطلق من وجهه علامات العظمة.. تماما مثل حاله عندما إعترف بالقدس عاصمة لإسرائيل.

هدية تلو الأخرى يتلقاها بنيامين نتنياهو رئيس الوزراء الإسرائيلى بجذل.. يقف ثابتا وعينه تبدو كصقر ماكر يشعربلذة النيل من فريسته، أو هو أقرب للمرابى الجشع يتلهف لإنتزاع أكبر المكاسب.. وفوقها قلم التوقيع الذى تلقفه بسرعة وآثر الإحتفاظ به للذكرى، أو ربما شغفا وطمعا فى الاقتناء!

هل استفزنا مشهد النخاسة والمتاجرة فى أراض عربية يعطيها من لا يملك لمن لا يستحق!

لاأعتقد أن استفزازنا تجاوز اليوم أو ربما يمتد لأيام نصرخ فيها بأن الجولان عربية والقدس عربية وكل فلسطين عربية.. ثم نستسلم كعادتنا بعدما أدمننا التفريط.

نحاول أن نريح ضمائرنا، فنلقى بالمسئولية على قادتنا العرب.. نسخر منهم، ندينهم، نصمهم بالخنوع والضعف والتخاذل والتواطؤ، نعيب عليهم ردود أفعالهم الهزيلة التى لاتخرج دائما عن الشجب والإدانة.. ونغفل أننا نستحق قادتنا، وأننا لسنا أقل منهم تواطؤا وخنوعا وضعفا وتخاذلا.

لاندرك ذلك لكن أعداءنا يدركون.. يقدرون نقاط ضعفنا، ويلعبون على مواطن تخاذلنا، ينتزعون من بين أيدينا قطعة غالية من أرض الوطن.. تسلب من بين أيدينا وأمام أعيننا فلا يحرك فينا قدرا من مقاومة أو رفض أو إعتراض .
نتقوقع فى خيبتنا وحزننا، أما هم فيهرعون، يضعون الخطط لإستثمار أراضينا وتحويلها إلى جنة يعيشون فيها وعلى خيراتها.

لم تمض ساعات على توقيع وثيقة العار، حتى بدأت العقول الإسرائيلية فى التفكير فى تحويل الجولان إلى مركز إقتصادى وسياسى وأمنى من خلال برنامج تنمية شامل.. يسعون لربطه بالساحل المركزى لإسرائيل ودعمه بخطوط قطار سريع، وشبكة واسعة من الطرق فضلا على العمل على جذب الإسرائيليين للإقامة فيه وتوفير فرص عمل خاصة فى قطاعى السياحة والزراعة.

لايهم إسرائيل ألا يعترف العالم بسيادتها على الجولان، لايزعجها رفض الأمم المتحدة للقرار ولا إدانته عربيا لأنها تتوقف عند كلمات لا تتحول لمواقف وأفعال، تتركها تمضى فى الهواء بينما هى تفرض واقعا جديدا وفق رغبتها ومصالحها وأمنها.

هى بداية النهاية للقضية الفلسطينية هكذا يتخوف البعض ويرون أن الإعتراف بسيادة إسرائيل على الجولان سيتبعها ضم للضفة الغربية خاصة المنطقة ""ج"" التى تبلغ مساحتها 21 % من أراضى الضفة .

صفقة القرن تتحول إلى واقع تتكشف لنا ملامحه المفزعة يوما بعد آخر.. وإن كانت كارثيته لاتدفعنا للتحرك .. فمابين تواطؤ قادة وخنوع شعوب، من الحماقة أن نأمل أن يعلو صوت فوق صوت المحتل.
--------------------------
بقلم: هالة فؤاد 

مقالات اخرى للكاتب

وجهة نظري | الاستغناء عن الحكومة